"أنا أكره المدرسة" جملة يرددها بعض الطلاب جهرة ويرددها الكثير منهم سراً.
هذه الجملة الصغيرة في محتواها الكبيرة في معناها تعكس إحساس الطالب السلبي تجاه المدرسة التي في الأصل ينبغي أن يحبها ويستمتع بوجوده فيها لا أن يكرهها وينتظر بشوق لحظة الخروج منها.
ويفترض أن تكون المدرسة محببة عند الطالب وإلا لن تحقق أهدافها الرامية لصقل شخصيته وتنمية معارفه.
الإشكال الخطير الذي قد يفرزه كره الطالب للمدرسة هو عدم رغبته في التعلم مما يؤثر سلبا على تحصيله الدراسي.
الرغبة هي حجر الزاوية في عملية التعلم، وإذا لم يرغب الطالب في التعلم فإن مهمة المعلم في المدرسة ستكون شبه مستحيلة ولذلك نجد أن المعلم الناجح يطبق الكثير من استراتيجيات التحفيز لإستثارة رغبة طلابه في فهم واستيعاب مادته. ومن أجل الترغيب نجد أن المعلم تارة يبين أهمية ما سوف يقدمه للطالب وتارة أخرى يعرض الموضوع بشكل مشوق وأحياناً يمنح الطالب الذي يفهم الدرس جائزة.
الظاهرة التي نحن بصدد مناقشتها هي ظاهرة تدني الرغبة في التعلم عند بعض الطلاب. هذه الظاهرة بلا شك ظاهرة خطيرة تؤثر سلباً على مستقبل تعليم أبناءنا وكم طالب تأخر في دراسته ليس بسبب قصور قدراته الذهنية ولكن بسبب موقف خارجي أدى إلى كره الطالب للمادة الدراسية وبالتالي شعوره بعدم الرغبة في تعلمها.
سنلقي الضوء على هذه الظاهرة التربوية ونتعرف على بعض أسبابها وآثارها السلبية وسنقترح بعض الحلول المناسبه لها.
من أسباب عدم الرغبة في التعلم:1. التنشئة البيتية:أسباب عدم الرغبة في التعلم عديدة وأبدأ بما هو متعلق بتنشئة الطفل في البيت. فالطفل الذي ينشأ في بيت يشجع على التعلم ويبين أهميته تكون الرغبة في التعلم لديه أكبر. أما البيت الذي لا يعمل بجد على ترغيب وتشجيع الطفل على التعلم ولا يجعل التعليم أولوية يكون أطفاله في العادة أقل رغبة في التعلم. كذلك الطفل الذي لا يربى على المثابرة والإجتهاد منذ الصغر، لا يستطيع تحمل الجلد الذي يصاحب عملية التعلم.
2. المادة التعليمية:الأمر الآخر الذي يمكن أن يؤثر على رغبة الطالب في التعلم يتعلق بمحتوى وطريقة عرض المادة التعليمية في المدرسة. فالموضوع المثير يشد إنتباه الطالب ويسهل عملية الشرح على المعلم في حين أن الموضوع الممل يحتاج إلى جهد مضاعف من المعلم لعرضه بشكل مشوق وهذا بلا شك يسهل على الطالب الفهم. التشويق هنا مهم جداً لتسهيل فهم المادة التعليمية على الطالب لأن غياب التشويق سيؤدي إلى عدم الفهم وبالتالي العزوف عن تعلم المادة. التحدي أمام المعلم اليوم هو إبتكار طرق وأساليب تشويق جديدة لجذب الطالب نحو مادته، فذوق الطالب اليوم قد تغير بشكل دراماتيكي ولم يعد انتباهه يلفت بالكتابة الملونه على السبورة أو الصورة الثابتة التي يعكسها البروجكتور، الطالب يحتاج الى وسائل تعليمية جذابة تنافس ما يراه يوميا على شاشة الكمبيوتر من صور وشرائح ملونة ومتحركة و ذات ابعاد ثلاثية تصاحبها مؤثرات صوتية تتناسب والمادة التي يشاهدها.
3. البيئة الصفية:المؤثر الأهم على رغبة الطالب في التعلم هو بيئة المدرسة عموما والبيئة الصفية على وجه الخصوص. فالطالب يمضي ما لا يقل عن 6 ساعات يومياً في المدرسة و اكثر من 80% منها داخل غرفة الصف وهي تساوي ما يمضيه الطفل في البيت من غير وقت النوم. الذي يحدث داخل المدرسة وتحديدا داخل غرفة الصف يحدد الكثير من مدى رغبة الطفل في التعلم.
المعادلة بسيطه، إذا كانت البيئة الصفية أي ما يراه ويسمعه ويحسه الطالب داخل غرفة الصف أمراً محبوبا لديه سيحب الصف وما يدور فيه من تعلم وإذا كان عكس ذلك سيكره الطالب الصف وما يحدث فيه من تعلم.
من الأمور التي تؤثر على البيئة الصفية، الجانب الصحي المتمثل بالتهوية الجيدة لغرفة الصف والإنارة المناسبة وكذلك الأثاث الذي لا يؤذي الطالب كذلك تعامل الطلاب مع بعضهم البعض. هذه العناصر من البيئة الصفية تكاد تكون متوفرة في أغلب مدارسنا بشكل مقبول لكنها لا ترق في أهميتها إلى العنصر التالي وهو العلاقة بين المعلم والطالب.
4. علاقة المعلم بالطالب : أهم عنصر من عناصر العملية التربوية وأكثرها تأثيراً على الطالب هو المعلم. والعلاقة بين المعلم والطالب تلعب الدور الجوهري في ترغيب الطالب في التعلم. أما مسؤولية تعميق هذه العلاقة فتقع على عاتق المعلم كونه الأكبر سناً والأكثر خبرة والمسؤول عن الطالب وهو المربي الذي يقود عمليتي التعليم والتعلم داخل غرفة الصف. وعليه ينبغي على المعلم العناية بهذه العلاقة وتطويرها بشكل يخدم العملية التربوية وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بترغيب الطالب في التعلم. الناظر إلى مدراسنا يجد أن العلاقة بين الطالب والمعلم ضعيفة إلى درجة أن بعض المعلمين لا يتذكر أسماء طلابه وهو المطلب الأول في تأسيس أي علاقة إجتماعية فضلاً عن معرفته لطبائعهم وميولهم التي يؤسس على ضوئها كيفية التعامل معهم بشكل تربوي فعّال.
تشير الدراسات إلى أنه كلما شعر الطالب أن المعلم يرعاه ويحترمه ويستمع إليه ويساعده على حل مشاكله، كلما كان تقبل الطالب لما يعرضه المعلم أكبر والعكس صحيح فكلما ساءت علاقة الطالب بالمعلم كلما قل إهتمام الطالب بمادة هذا المعلم وفي بعض الأحيان تصل درجة السوء في العلاقة إلى درجة أن الطالب يكره كل ما هو متعلق بالمدرسة.
تتراوح تقديرات الطالب لمواقف المعلم تجاهه، من مواقف تجعل بيئة الصفية جحيم لا يطاق إلى مواقف تجعل غرفة الصف من أكثر الأماكن متعة ولأن المعلم هو القائد والموجه فإنه يمكن القول إن تصرفات المعلم هي التي تجعل بيئة صفه إيجابية أو سلبية في نظر الطالب.
من أكثر المواقف الخاطئة شيوعاً في مدارسنا هي إهانة المعلم للطالب إما بالاستهزاء أو بالصراخ أو بالضرب. وكثيراً ما نسمع معلم يردد كلمات لا تمت للتربية بصلة مثل غبي ، كسلان ، أحمق .. الخ. هذا النوع من التصرفات التي تبدر عادة من معلم حاد المزاج تؤدي إلى إحداث خللاً في التربية وشرخاً عميقا بين الطالب والمعلم فهي تخدش في كرامة الطالب بخاصة إذا حدثت أمام زملاءه. هذا النوع من التصرفات الرعناء تؤدي إلى، إما الإنكسار النفسي أو التمرد تجاه المعلم وهو ما ينعكس سلباً وبشكل مباشر على قدرة الطالب على الفهم وتدني رغبته في التعلم ونزعته لعدم الانضباط داخل غرفة الصف.
ماذا ينبغي على المعلم فعله لترغيب الطالب في التعلم؟1. التعرف على الطالب:أول ما ينبغي على المعلم عمله قبل أن يبدأ تعليم طلابه هو التعرف عليهم ومعرفة نفسياتهم وميولهم وإهتماماتهم وقدراتهم الذهنية وذلك حتى يفهم المداخل إلى نفسية كل واحد منهم وبالتالي إختيار الطرق المناسبة لتحفيزهم وترغيبهم في مادته العلمية. كذلك ينبغي على المعلم التعريف بنفسه وتحديد بشكل واضح ماذا يريد من طلابه وعن طريقة إدارته للصف. كل هذا حتى يزال أي سوء فهم من قبل أي طالب. ولترسيخ العلاقة الودية مع الطلاب ينبغي على المعلم عدم محاسبة الطالب على أي أمر لم يقم بتوضيحه له. ما نراه على أرض الواقع أن الكثير من مدارسنا لا يولي إهتماما كبيرا للتعارف بين المعلم والطالب ويقتصر الأمر في الغالب على ذكر كل طالب اسمه للمعلم وكأن العلاقة الاجتماعية بين المعلم والطالب هي تبادل الأسماء فقط.
2. مساعدة الطالب:ندرك تماما أن الطالب يعاني كثيرا من صعوبة وكثافة الكتب المدرسية وهي بلا شك سبب رئيس من اسباب شعور الطلاب بالإحباط وبالتالي نفورهم من التعلم. ولتقليل هذه الآثار الجانبية للكتب الدراسية، يتوقع من المعلم تكثيف مساعدته للطلاب والوقوف بجانبهم بل أكثر من ذلك على المعلم تشجيع الطالب وبشكل مكرر على طلب المساعدة منه لإزالة أي مشاعر خوف وتردد من طلب المساعدة. وأثر المعلم أوقع وأعمق، إذا علم الطالب كيف يعتمد على نفسه.
3. الحب والتقدير:إظهار الحب والتقدير للطالب ينزع الصورة النمطية السلبية التي يحملها بعض الطلاب عن المعلمين والتي تكون سبب لوجود حاجز نفسي بين الطالب والمعلم يعيق أي تقارب من قبل الطالب نحو المعلم. وتقع مسؤولية تغيير هذه الصورة النمطية السلبية على عاتق المعلم حيث ينبغي عليه إشعار الطالب بالحب والتقدير الصادق وأن يظهر هذا في تعامله اليومي مع الطلاب بخاصة فيما يقول. فجملة مثل " كنت أتمنى أن تكون إجابتك صحيحة" خيراً من "إجابتك خطأ" و "أنا واثق أنك تستطيع النجاح" خيراً من "لا أمل لك في النجاح". أتمنى أن يدرك كل معلم أن الكلمة الطيبة، إذا خرجت من القلب، فإنها أداة تسحر الباب وعقول الطلاب فهي تبث الثقة والمحبة. وتحضرني هنا قصة طفلة أعرفها أشتهر عنها ترديد جملة محلية هي "المدرسة تلوع الكبد" أي أن المدرسة تثير الغثيان. أخبرتني أم هذه الطفلة أن ابنتها قالت لها ولأول مرة أن "المدرسة حلوة" سألتها الأم عن السبب قالت الطفلة أن المعلمة أعطت كل طالبة هدية في أول يوم دراسي بعد إجازة منتصف السنة. ذكرتني هذه القصة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "تهادوا تحابوا". ما أكثر ما في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من قيّم ومبادىء لو التزم بها كل معلم لما نفر طالب من معلمه.
4. التحفيز المستمر:لا يستطيع معلم أن يستغني عن تحفيز الطالب على التعلم لأنه وببساطة طلاب اليوم يفتقرون للميل التلقائي للتعلم وهذه مشكلة كبيرة لسنا وحدنا الذي يعاني منها فأغلب دول العالم تحمل نفس الهم. وكما ذكرنا يحتاج المعلم إلى تحفيز الطالب و بشكل مستمر. قد يقول قائل أن التحفيز موجود في مدارسنا وأنا اتفق مع هذا القول لكنني اختلف معه في أن التحفيز الموجود غير فعّال أو أنه غير كافي أو الاثنين معاً والدليل على ذلك كثرة ما نسمعه من نفور الطلاب من المدرسة وما يتبعه من تراجع في مستويات التحصيل.
مطلوب من المعلم تشجيع الطلاب وجعلهم ينظرون إلى أنفسهم نظرة إيجابية وأن لا يترصد عثراتهم بل يجب عليه إبراز الجوانب الإيجابية لديهم وإن كانت بسيطة. كذلك ينبغي أن لا يغيب عن ذهن المعلم أنه لاعب رئيس في صناعة حياة الطالب فلا يبخل عليه بأي شيئ يبث فيه روح الأمل والطموح فامتنا تعيش حالة من اليأس المفروض عليها يمكن للمعلم المخلص أن يسهم وبشكل كبير في إزالة هذا اليأس الموهوم.
وأنا على يقين تام أن مدارسنا لا تخلوا من معلمين ومعلمات نذروا أنفسهم لخدمة أبناء وطنهم، قد لا نعلمهم لكن الله يعلمهم وليس أمامنا إلا الدعاء لهم في ظهر الغيب أن يحفظهم المولى عز وجل وأن ويسدد على طريق الخير خطاهم.
-المصدر : دار السلام .