العقل البشري عضو نشيط جداً، وهذا النشاط مفيد لحياتنا نحن البشر، ولكن في جميع الحالات والظروف يمكن لهذا النشاط أن يعيق إنجازاتنا وإبداعاتنا، فنشعر أحياناً بصعوبة التركيز، القلق، ضياع الفرص، إهدار الوقت، الغثيان، تقلصات المعدة، أوحتى التعرق ودقات القلب السريعة أوالثقيلة.
هذه العوامل مؤثرة وبشكل غير عادي في مستوى التركيز والعمل، عندئذ يمكنك إجراء تمرين الاسترخاء اليومي لتصبح أكثر فعالية، وأكثر تأثيراً في تحسين مهارات مهمة مثل: الوقت، الإدارة، الانتظام الشخصي، التركيز في العمل... الخ.
إن تعلم فن الاسترخاء يعتمد على كيفية أن تتعلم كيف تجعل فكرك يسترخي، وهذا أمر صعب للغاية، إذ إن المشروع لا يمكن أن يحدث أو يطبق بين عشية وضحاها، بل يستغرق وقتاً طويلاً من التمارين لتحقيق الأثر الكامل.
الخطوات التالية تساعدك على تعلم هذا الفن:
أولاً: مارس مهارات الاسترخاء يومياً:
- اجعل التمرين جزءاً من عملك اليومي المعتاد.
- اجعل تمرينك منتظماً يومياً، وضمن برنامجك المعد في فترة ملائمة.
- ابدأ بـ 3 أو 5 دقائق، وعندما تصبح أكثر مهارة في السيطرة على نشاطاتك الفعلية زد هذه الفترة حتى تصل إلى 15 دقيقة أو 30 دقيقة على فترتين.
- من المهم أن تنمي توقعاً إيجابياً بداخلك أنك ستسترخي.
- ابحث عن مكان هادئ بشرط أن يبقى خلال دقائق التدريب دون إزعاج، سواءً في المنزل أو المكتب أو من جميع الهواتف الثابتة والجوالة - (امنع أحداً من الدخول عليك). يمكنك إبلاغ من حولك بما تقوم به.
- الآن قم بالجلوس على كرسي أو أريكة أو حتى سرير (مع أن الأسرة تغري بالنوم، اضبط المنبه إذا غفوت).
- حلحل الثياب المشدودة كربطة العنق، حزام البنطال، ياقة الثوب، فك رباط الحذاء أو اخلع النعال، اخلع النظارة إذا كانت تشكل عبئاً، واسترخى لأقصى حد.
ثانياً: تعلم كيف تتنفس بطريقة استرخائية:
- اغمض عينيك، ركز اهتمامك على تنفسك.. اصغ إلى صوت الهواء مع كل زفير وشهيق، مع كل حركة بطن.
- بعد مضي دقيقتين أو ثلاث ابدأ بالعد المتتالي من 1 إلى 10، ومع كل رقم استنشق أو ازفر الهواء، وتخيل أنك تكتبه في مخيلتك على الهواء، أكمل عملية العدد وارسم في فكرك كلمة (أ - س - ت - ر - خ)، كرر كلمة استرخ لتستيقظ رغبة الاسترخاء لديك.
- ارخ عضلاتك بانتظام بدأ من عضلات الجبين والحاجبين، حتى تشعر بأنها رخوة، دافئة وثقيلة، مسترخية، ارخ عضلات الفم ثم الفكين ليهبطا بقدر ما تريد - ولاحظ تحسن وضعك عندما تشعر بزوال التوترات والضغوط.
- ارخ ذراعيك كلاهما، واشعر كأن توتراتك وضغوطك تموج أمامك كموج البحر عند وصوله للشاطئ، كأن هذه التوترات تخرج من ذراعيك عبر أصابعك إلى الهواء الطلق.
- تنفس واهبط بعضلات ظهرك على الكرسي أو السرير، اهبط أكثر.. أكثر.. أكثر.. ارتخ.. وركز على عضلات صدرك لتبدو أكثر حلحلة واسترخاء.. اخرج نفسك بهدوء، ودع التوتر والإرهاق يذوب ويزول من صدرك إلى رجليك المسترخيتين تماماً.
- الآن جسدك مسترررخ تماااماً.. أنت مسترررخ.. أنت سااااكن. ت.. ما.. ماً.
ثالثاً: ركز انتباهك
- اعلم أن هناك صعوبة في تركيز الانتباه خاصة للشخص اليقظ ذي الذهن الفاعل، ولكن نحن نحتاج إلى مساعدة أبعد من تركيز الانتباه.. لجذب تخيل مشاهد تقترب بها من الواقع قدر الإمكان.. تمرن على عدد من المشاهد الشعورية قدر المستطاع.
إليك المثل التالي:
ذهبت في عطلة نهاية الأسبوع إلى شاطئ الخليج العربي، مشيت على الشاطئ، خطوت بقدمي على رماله البيضاء الرطبة في ظل بعض الشجيرات هنا وهناك، أستطيع أن أسمع زقزقة الطيور وخشخشة سعف النخل كلما تحرك الهواء قليلاً.. حدقت في مياه الخليج الصافية ذات اللون الأخضر المزرق.. حدقت في عمق الماء ورأيت قوس الأفق الجميل وسط السماء بين غيوم بيضاء تزين الجو برذاذ خفيف. نهار جميل، مياه دافئة، أرغب بالشعور بنعومة رمال البحر بين أصابع رجلي.. فكيف يتسلل هذا الدفء إلى بطني؟.. صدري؟.. ذراعي؟.. رقبتي؟.. رأسي؟ وهكذا.. دفء.. فرح.. حركة بطيئة.
أمشي الآن قرب حافة الماء.. المياه منعشة.. باردة قليلاً. تقدمت خطوة أعمق.. رأيت الأسماك بألوان مختلفة فهذه فضية وأخرى وردية، تروح وتجيء بين أرجلي تهرب مني.. المياه نظيفة وصافية التقطت عدة حفنات منها ورششتها على جسدي إنها منعشة جداً.. رجعت للشاطئ وتمددت على منشفتي.. وجهي لأعلى جسدي.. أشعر بالحرارة متغلغلة من الرمال وتسلك طريقها إلى ظهري.. أشعر برذاذ الماء ينساب ببطء من أعلى جسدي.. وأنا مستلقٍ استمع إلى انكسار الأمواج فوق الرمال، وصوت نورس البحر وهو يعبر فوق رأسي .. كل شيء هادئ.. صافي، ناعم، مسترخ.
* من الممكن أن نتخيل أي مكان آخر نحن نحبه فمثلاً: حديقة غناء، جبال خضراء زرناها خلال إجازتنا الصيفية.. شلالات.. الخ. الآن عد إلى غرفة الاسترخاء حيث تصعد على درج دائري، ترى البساط الأحمر المنحدر عليه، وتشعر بوبره الناعم تحت قدميك العاريتين.. يدك مرتاحة على درابزين الدرج.. انزل درجة.. درجة.. من الأعلى للأسفل، عد من 20 إلى أن تصل إلى واحد وأنت مسترخٍ وبنفس هادئ.. زفير وشهيق هادئ تماماً، أنت أمام باب غرفتك الخاصة.. افتح الباب بنعومة، وأدخل ثم أغلق وراءك، عندما تقفل الباب.. اترك مشاكلك ومتاعبك - اهتماماتك خارج الغرفة. أنت هنا لتكون حراً من كل الاهتمامات. ترى النور في غرفتك ناعم وناعم.. الفرش أنيق ومختار بعنايتك الفائقة.. ألوان متناغمة - نعومة تحت قدميك، الآن.. تمدد على المخدات واغرق وانزل على ريش النعام وسط هذه الغرفة الهادئة بلا مشاكل ولا هموم.. أنت هادئ جداً.. مسترخ تماماً.. هكذا.. هكذا..
رابعاً: اقتراحات إيجابية:
إن استعمال الأفكار الإيجابية الذاتية هو جزء مهم من الاسترخاء، ستلاحظ أثناء الاسترخاء أن نبضات قلبك تنخفض، وفي الواقع أن جميع وظائف جسدك تسترخي ببطء شديد.. وستجدها تعمل بسهولة وسلامة وارتياح.. فكرك سيصبح أقل نشاطاً مع أنه يشعر بما يدور حوله.. سيسكن هذا الفكر، ولكن الرسائل يستلمها الذهن ويسجلها بفاعلية بالغة.
نعم أستطيع الاسترخاء.
نعم أستطيع السيطرة على أفكاري.
نعم أستطيع أن أنجح في عملي.
خامساً: عد إلى حالتك ببطء
حتى تعود من حالتك الاسترخائية.. ابدأ العد ببطء من واحد إلى خمسة.. إنك تشعر بالتغير مع كل عدد، مع رقم الخمسة افتح عينيك على مهل، ثم مد ذراعيك ورجليك.. كما يمكن أن تشعر بثقل في أطرافك وربما الجفاف في فمك.. انتظر دقيقة.. ثم تمتع بالشعور الاسترخائي المريح. أخيراً.. من المهم أن تخطط لهذه الممارسة بمعدل مرتين يومياً كل مرة 15 دقيقة خلال ثلاث أو أربعة أشهر.. إن تعلم الاسترخاء هو كتعلم ركوب الدراجة الهوائية مثلاً أو طباعة رسائل على الكمبيوتر.. لن تنساه، وعليك استرجاعه مع بعض الجهد إذا مرت فترة طويلة على عدم ممارسته. باختصار: التمرين على الاسترخاء هو في الحقيقة مهارة حيوية إذا تعلمتها مرة ستؤمن لك فائدة يومية في عملك، في المنزل، في أوقات الفراغ.. ستشعر أنك روضت ذهنك على كيفية السيطرة على النفس، في وسط حياة مليئة بالفوضى والاجهاد.. النتيجة النهائية تستحق الوقت والجهد.